على الهامش

بيونة.. أيقونة الفن الجزائري التي لا تُنسى بين الحضور والغياب

 

بيونة، الاسم الذي يتردد على ألسنة الجزائريين منذ عقود، ليس مجرد ممثلة أو فنانة، بل هي رمزٌ من رموز الثقافة والفن في الجزائر، اسمها الحقيقي باية بوزار، لكنها عُرفت ببيونة، تلك المرأة التي جسّدت بصدقٍ وبراعة صورة المرأة الجزائرية في مختلف تجلياتها، من خلال أدوارها المتنوعة في السينما والمسرح والتلفزيون، استطاعت بيونة أن تترك بصمةً لا تُنسى في ذاكرة الجمهور الجزائري، لكن حضورها لم يقتصر على أعمالها الفنية فقط، بل امتد إلى غيابها الذي أثار الجدل وأعادها إلى الواجهة من جديد.

وُلدت بيونة في عام 1954، العام نفسه الذي اندلعت فيه الثورة الجزائرية، وكأنّ ولادتها كانت متزامنةً مع ولادة وطنٍ جديد، بدأت حياتها الفنية كمغنّية في الأعراس وهي في السابعة عشرة من عمرها، حيث كانت تُحيي الحفلات الشعبية وتُسعد الناس بصوتها العذب وطاقتها الحيوية، هذه البدايات المتواضعة كانت بمثابة اللبنة الأولى لمسيرة فنية حافلة بالإنجازات.

في عام 1973، دخلت بيونة عالم الأضواء من أوسع أبوابه عندما قدمت دور فاطمة في المسلسل التلفزيوني “الدار الكبيرة”، الذي كان مقتبسا عن الجزء الأول من ثلاثية الروائي الجزائري الكبير محمد ديب، وهي “الحريق” و”النول”، هذا العمل، الذي أخرجه المخرج مصطفى بديع، كان نقطة التحول في حياتها الفنية، حيث عرفت معه أجمل أيام حياتها، كما قالت لاحقا من خلال هذا الدور، استطاعت بيونة أن تلفت الأنظار إليها، ليس فقط بسبب موهبتها الفذة، بل أيضا بسبب قدرتها على تجسيد الشخصيات بصدقٍ وعمق.

بعد نجاحها في “الدار الكبيرة”، توالت أعمال بيونة في السينما والمسرح، في عام 1978، شاركت في فيلم “ليلى والأخريات” للمخرج سيد علي مازيف، الذي يُعتبر من الأعمال البارزة في السينما الجزائرية وخلال الثمانينيات، اتجهت بيونة نحو المسرح، حيث قدمت أدوارا مهمة، منها دور “إلكترا” في مسرحية بنفس الاسم، كما شاركت في فيلم “حريم مدام عصمان”، الذي يُعتبر أول أفلام ثلاثية المخرج نذير مخناش عن الجزائر.

لكن العمل الذي أثار الجدل وأعاد بيونة إلى الواجهة بشكل لافت كان فيلم “ديليس بالوما”، الذي أخرجه نذير مخناش في عام 2007، هذا الفيلم، الذي تمّ منعه من العرض في الجزائر، كان نقطة تحول أخرى في حياة بيونة، حيث قررت بعدها مقاطعة الشاشة الجزائرية لفترة من الزمن، قرارها هذا أثار الكثير من التساؤلات حول أسباب المنع ودوافع بيونة، لكنه في الوقت نفسه زاد من مكانتها كفنانة شجاعة لا تخشى المواجهة.

في عام 2001، قررت بيونة دخول عالم الموسيقى، حيث أصدرت أول ألبوماتها الغنائية، هذه الخطوة كانت مفاجئة للكثيرين، لكنها أثبتت مرة أخرى قدرتها على تجديد نفسها وخوض تجارب جديدة، أتبعت بيونة ألبومها الأول بآخر في عام 2006، مما أكد أنها ليست مجرد ممثلة، بل فنانة متعددة المواهب.

بين عامي 2002 و2005، شاركت بيونة في السيت كوم الرمضاني “ناس ملاح سيتي” مع المخرج جعفر قاسم، الذي لاقى نجاحا كبيرا وشعبيّة واسعة لكنها فاجأت الجميع مرة أخرى بإعلانها مقاطعة شركات الإنتاج التلفزيونية المحلية، وهو القرار الذي أثار الكثير من التساؤلات حول أسباب هذه المقاطعة.

اليوم، تعود بيونة إلى الواجهة من خلال جدل جديد أثارته الفنانة نوال زعتر، التي تحدثت عن وجود لغز محيّر يتعلق باختفاء بيونة، زعتر، التي كانت رفيقة درب بيونة، لمّحت إلى احتمال استغلالها أو احتجازها، مما أثار موجة من الجدل في الشارع الجزائري، بيونة ظهرت لاحقا لتنفي هذه الادعاءات، لكن ابنتها أمال بوشعلة أكدت الشكوك وطالبت بالتحقيق في الأمر، هذه الحادثة أعادت بيونة إلى دائرة الضوء، لكنها أيضا أثارت تساؤلات حول وضعها الحقيقي.

وبغض النظر عن الجدل الذي يحيط ببيونة، تبقى أيقونة فنية لا تُنسى في الذاكرة الجزائرية، طيلة مسيرتها، استطاعت أن تجسّد صورة المرأة الجزائرية بكلّ تعقيداتها وتناقضاتها، من خلال أدوارها المتنوعة في السينما والمسرح والتلفزيون، بيونة ليست مجرد ممثلة، بل هي امرأة جزائرية بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، ابنة الحي الشعبي التي حملت هموم الناس وطموحاتهم.

بيونة، التي عاشت مع الثورة الجزائرية وواكبت تحولات المجتمع الجزائري، تبقى رمزا للفنّ الأصيل الذي لا يخضع للقيود ولا يخشى المواجهة، حضورها القويّ في الذاكرة الجماعية للجزائريين، سواء من خلال أعمالها أو غيابها، يجعلها أيقونة فنية تستحقّ التقدير والاحترام، بيونة، بضحكتها الدائمة وخفة ظلّها، تبقى في قلوب الجزائريين، ليس فقط كفنانة، بل كصديقة وأخت وابنة للشعب الجزائري.

* تنويه: المقال مأخوذ من صفحات التواصل الإجتماعي الرسمية للصحفية.

إظهار المزيد

حياة سرتاح

صحافية منذ 2009، مختصة في الشأن السياسي. نالت عدّة جوائز وتكريمات طوال مسارها المهني أبرزها:  جائزة أفضل تحقيق صحفي حول المرأة في الجزائر 2010.  جائزة رئيس الجمهورية للصحفي المحترف 2016.  جائزة نجمة الإعلام "ميديا ستار" 2021. عملت كمراسلة صحفية من الجزائر لجرائد عربية

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى