الجزائر وآسيان.. تحالف استراتيجي يفتح آفاقًا جديدة

 

شهدت العلاقات الدولية مؤخرًا تحولًا لافتًا بانضمام الجزائر رسميًا إلى منظمة معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا (آسيان). هذا التطور، الذي جرى التوقيع على مراسيمه في كوالالمبور على هامش الدورة الـ58 لاجتماع وزراء خارجية الرابطة، لا يمثل مجرد إضافة عضو جديد إلى المنظمة، بل يفتح آفاقًا استراتيجية واسعة للجزائر، ويعزز من تواجدها على الساحة الدولية، ويقدم نموذجًا للتعاون جنوب-جنوب.

لا شك أن انضمام الجزائر إلى آسيان يحمل في طياته إمكانات هائلة لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري. فدول آسيان، وعلى رأسها سنغافورة، إندونيسيا، ماليزيا، وفيتنام، تُعرف بتجاربها التنموية الناجحة وتحولاتها الاقتصادية والسياسية المذهلة. هذه التجارب الغنية يمكن أن تكون بمثابة بوصلة للجزائر، تسترشد بها في مساعيها لتحقيق التنمية المستدامة وتنويع اقتصادها. الاستفادة من هذه النماذج الناجحة لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تمتد لتشمل مجالات أخرى مثل التكنولوجيا، الابتكار، وإدارة الموارد البشرية.

كما يتيح هذا الانضمام للجزائر فرصة ذهبية لإيجاد بدائل ممكنة لوارداتها وتوسيع أسواق صادراتها. ففي ظل التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، أصبح تنويع الشركاء التجاريين أمرًا حيويًا لضمان استقرار الاقتصاد الوطني. ويمكن للأسواق الآسيوية أن تستوعب جزءًا كبيرًا من الصادرات الجزائرية، بينما توفر دول آسيان منتجات وخدمات متنوعة تلبي احتياجات السوق الجزائري.

إن العلاقة بين الجزائر ودول آسيا ليست وليدة اليوم، بل تمتد جذورها إلى فترة الكفاح المشترك من أجل الاستقلال، والذي تجلى بوضوح في مؤتمر باندونغ بإندونيسيا عام 1955. هذا الأساس التاريخي المتين يشكل دافعًا قويًا لتعزيز العلاقات الحالية وبناء شراكات مستقبلية أكثر عمقًا. إن القواسم المشتركة في السياقات التاريخية لبعض الدول الآسيوية والجزائر تعزز من فرص التفاهم المتبادل والتعاون البناء.

تؤكد السياسة الخارجية الجزائرية الحالية على إيلاء أهمية قصوى لتنمية العلاقات السياسية، الاقتصادية، التجارية، والثقافية مع منطقة آسيا والمحيط الهادئ. ويظهر هذا الاهتمام جليًا في خطوات الجزائر الأخيرة، كالانضمام إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، الذي تم إنشاؤه في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية. هذا الانضمام يؤكد رغبة الجزائر الجادة في الاندماج في الأطر الاقتصادية الآسيوية والاستفادة من الفرص الاستثمارية التي تقدمها هذه المنطقة.

منذ عام 2023، برز توجه جزائري لافت ومبرمج لتعزيز تعاونها مع دول هذه المنطقة، وهو ما أكده وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف في تصريحات سابقة. هذا التوجه يعكس رؤية استراتيجية بعيدة المدى للجزائر، تسعى من خلالها إلى تنويع شراكاتها الدولية وتقوية مكانتها الإقليمية والدولية.

إن انضمام الجزائر إلى آسيان هو خطوة جريئة ومدروسة، تحمل في طياتها وعودًا كبيرة لمستقبل الجزائر الاقتصادي والدولي. إنه تحالف استراتيجي يفتح أبوابًا جديدة للتعاون، وتبادل الخبرات، وتحقيق التنمية المستدامة، ويعزز من دور الجزائر كلاعب فاعل في المشهد العالمي المتغير. فهل ستنجح الجزائر في استثمار هذه الفرصة على أكمل وجه لتحقيق طموحاتها التنموية؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة.

 

 

* تنويه: المقال مأخوذ من صفحات التواصل الإجتماعي الرسمية للصحفية.

Exit mobile version