
تعرض تمثال “عين الفوارة”، أحد أبرز المعالم التاريخية والثقافية في قلب مدينة سطيف الجزائرية، لمحاولة تخريب جديدة ليل الثلاثاء – الأربعاء، نفذها شاب قيل إنه كان في “حالة متقدمة من السكر”. وقد تدخلت قوات الأمن على الفور لإحباط محاولة التحطيم واعتقال الفاعل الذي يخضع حاليًا للتحقيق لمعرفة دوافعه.
تُعد هذه الحادثة هي الرابعة التي يستهدف فيها التمثال بالتخريب منذ عام 2017، مما يعيد إلى الواجهة الجدل المستمر حول رمزيته ومكانته في المجتمع السطايفي.
- أضرار جسيمة وتدخل سريع
أسفرت محاولة التخريب الأخيرة عن أضرار بالغة في وجه التمثال. وأكد مدير الثقافة لولاية سطيف، هاشمي عامر، أن “الفاعل كان في حالة متقدمة من السكر، وقام بتخريب وجه التمثال. كان الضرر يمكن أن يكون أكبر لولا التدخل السريع لرجال الشرطة الذين يحرسون المعلم بشكل دائم منذ فترة”. ويُذكر أن السلطات الجزائرية كانت قد انتهت في يونيو 2023 من عملية ترميم شاملة للتمثال في أعقاب تعرضه لعملية تخريب سابقة.
- “عين الفوارة”: تاريخ ورمزية
يُعد تمثال “عين الفوارة” نقطة التقاء ورمزًا لمدينة سطيف، ويجذب يوميًا الزوار من مختلف أنحاء الجزائر. نحت التمثال الفنان الفرنسي فرنسيس دو سان فيدال، وهو يصور امرأة عارية تجلس على صخرة. دو سان فيدال هو نحات فرنسي شهير، من أعماله المعروفة تمثال نصفي للموسيقي بيتهوفن ونبع صممه لمعرض عالمي في باريس عام 1889.
يعود تاريخ “عين الفوارة” إلى أواخر القرن التاسع عشر، حين كانت النبع ومحيطه في حالة سيئة. طلب الحاكم الفرنسي للمدينة حينها من مدير “مدرسة الفنون الجميلة” المساعدة في تجميل الساحة والنبع. وقد اختير تمثال دو سان فيدال، الذي شارك به في معرض اللوفر عام 1898، لهذا الغرض. تم استقبال التمثال في ميناء العاصمة بحفل موسيقي وألعاب نارية، ثم نُقل في رحلة استمرت عشرة أيام إلى سطيف.
- جدل تاريخي يتجدد
تتفق غالبية الأبحاث على أن الحاكم الفرنسي أراد من خلال التمثال العاري إزعاج المصلين الذين كانوا يتوضؤون من النبع القريب من المسجد العتيق، بهدف إبعادهم عن المكان. ومع ذلك، خابت آماله، حيث استمر المصلون في استخدام النبع كعادتهم دون المساس بالتمثال.
على مر السنوات، تآلف سكان المدينة مع التمثال وأصبح جزءًا لا يتجزأ من هويتهم. ورغم طبيعة المجتمع المحافظ في سطيف، لم يشكل مشهد المنحوتة العارية أي مشكلة، بل أصبحت “عين الفوارة” نقطة التقاء ومعلمًا أثريًا يؤمه السياح.
- سجل حافل بمحاولات التخريب
لم تكن محاولة التخريب الأخيرة هي الأولى من نوعها. ففي ربيع عام 1997، حاول متشددون تفجير التمثال بالديناميت، لكن الأضرار كانت محدودة وتم ترميمها سريعًا. وتكررت المحاولة في ربيع عام 2006 عندما قام شاب بتشويه خد التمثال الأيسر وأنفه بمطرقة. لكن المحاولة الأسوأ كانت في وضح النهار، عندما قام شاب بتحطيم جزء كبير منه.
- صراع الهوية والرمزية
تعيد هذه الحادثة الأخيرة الجدل القديم إلى الواجهة بين من يعتبرون التمثال عملًا فنيًا ومعلمًا من معالم المدينة التي تروي تاريخها، وبين من يرون فيه رمزًا للمستعمر الفرنسي وصنمًا يتنافى مع تعاليم الدين الإسلامي. ومع كل محاولة تخريب، يتجدد النقاش حول كيفية الموازنة بين الحفاظ على التراث الثقافي والتاريخي للمدينة وبين الحساسيات الدينية والاجتماعية.



