في لقاء يحمل دلالات سياسية ودينية عميقة، استقبل رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أول أمس، أسقف الجزائر الكاردينال جون بول فيسكو، وذلك في ذروة التوتر غير المسبوق في العلاقات الجزائرية-الفرنسية.
وجاء اللقاء، الذي حضره مدير ديوان رئاسة الجمهورية ووزير الشؤون الدينية والأوقاف، ليعكس مكانة الكاردينال فيسكو الفريدة، والذي منحه الرئيس تبون الجنسية الجزائرية في 2023 ليعيش كـ”مواطن جزائري” إلى جانب جنسيته الفرنسية، وهو ما يضفي بُعداً رمزياً على دوره كجسر للتواصل في فترة القطيعة الدبلوماسية.
- دبلوماسية غير تقليدية في زمن الأزمات
يبرز فيسكو، الذي عيّن كاردينالاً في ديسمبر 2024، كطرف فاعل في المشهد، حيث شن هجوماً واضحاً على الموقف الفرنسي في حواراته مع وسائل الإعلام الفرنسية. وانتقد بشدة التصريحات التي أدلى بها سياسيون فرنسيون، واصفاً إياها بـ”المهينة وغير العادلة”، معتبراً أنها “أحيت جرحاً في النفس الجزائرية”.
وتوقف خصوصاً عند خطاب وزير الداخلية الفرنسي، برونو لوبوتوار، قائلاً: “ما يزعجني هو النبرة التهديدية التي تأتي في شكل أوامر للسلطات الجزائرية، في حين أن الجزائر لا تستسلم أبداً لهذا النوع من الخطاب، خاصة القادم من فرنسا”. واعتبر أن الثقة بين البلدين “خُيّنت” بتغيير الموقف الفرنسي من قضية الصحراء الغربية.
- نداء أخوة مع عميد مسجد باريس
لم يقتصر دور فيسكو على النقد، بل انخرط في مبادرة دبلوماسية موازية رفقة عميد مسجد باريس الكبير، شمس الدين حفيز، حيث وجّها نداء مشتركاً نشرته صحيفة “لوموند” تحت عنوان “الأخوّة هي السبيل الوحيد”، حثّا فيه على تجنب “الطلاق الانتحاري” بين البلدين.
وشدّد النداء على أن الخلافات بين الحكومات “لا ينبغي أن تنعكس على حياة الشعوب”، مستحضراً نماذج تاريخية للتعايش مثل الأمير عبد القادر والقديس أوغسطين، في محاولة لتذكير الطرفين بإرث من الانفتاح المشترك.
- تشخيص لجذور الأزمة: الاستعمار غير المُعالَج
يقدم الكاردينال تشخيصاً لجذور الأزمة المتكررة بين البلدين، معتبراً أن مصدرها الأساسي هو “الماضي الاستعماري غير المتصالح”.
وأوضح أن عدم الوعي بالعواقب المدمرة للاستعمار جعل العلاقات “تنتقل من أزمة إلى أخرى ومن محاولة مصالحة إلى أخرى” على مدى ستين عاماً.
وبهذا، لا يقتصر دور فيسكو على كونه رجل دين فقط، بل يتحول إلى محلل سياسي ودبلوماسي غير تقليدي، يسعى من موقعه الفريد إلى رأب الصدع في واحدة من أكثر العلاقات تعقيداً في المنطقة، معبراً عن رفضه لأن تتحول الأزمة إلى “صراع دائم” بين شعبين تربطهما روابط إنسانية وتاريخية عميقة.
