على الهامش

المهرجان الدولي للموسيقى السمفونية في الجزائر.. جسر ثقافي يربط الجزائر بالعالم

 

يبرز المهرجان الدولي للموسيقى السمفونية في الجزائر كحدث فنيّ وثقافي استثنائي، ليس فقط لأنه يفتح نافذة للجمهور الجزائري على روائع الموسيقى الكلاسيكية العالمية، بل لأنه أيضا يدخل الجزائر بقوة في الخريطة الثقافية الدولية، ويجعلها محطّ أنظار عشاق الفن الرفيع.

انطلق المهرجان عام 2009، وكانت دوراته الأولى تُقام في قصر الثقافة مفدي زكريا، ثم انتقل إلى المسرح الوطني الجزائري محيي الدين بشطارزي، قبل أن يجد موطنه الدائم في دار أوبرا الجزائر بعد افتتاحها عام 2016، هذا الانتقال لم يكن مجرد تغيير في المكان، بل كان تعبيرا عن تطور المهرجان وازدياد أهميته، حيث أصبحت الأوبرا  ببنائها الفخم وتجهيزاتها العالمية  منصة تليق بأسماء كبيرة مثل يوهان شتراوس وبيتهوفن وموزارت، وغيرهم من عمالقة الموسيقى الكلاسيكية الذين تُعزف أعمالهم في كل دورة.

لا يمكن الحديث عن هذا المهرجان الذي يحرص محافظه عبد القادر بوعزارة وهو المايسترو والمختصة في هذا الفن تكوينا علميا ومهنيا وخبرة على تقديم أفضل نسخة من التظاهرة في كل دورة يعود فيها هذا الحدث إلى المشهد الثقافي الجزائري دون التوقف عند الموسيقى السمفونية، ذلك الفن العريق الذي بدأ في القرن الثامن عشر وتطور عبر العصور ليصبح أحد أرقى أشكال التعبير الموسيقي. فقد بدأت السمفونية كافتتاحيةٍ للأوبرا، ثم تطورت على يد هايدن وموزارت لتصبح عملاً مستقلاً بذاته، قبل أن يضيف بيتهوفن أبعاداً دراميةً وعاطفيةً جعلت من السمفونية قصيدةً موسيقيةً تروي حكايات البشرية.

اليوم، تُعزف السمفونيات في أكبر مسارح العالم، وتتنافس الأوركسترات على تقديمها بأدق التفاصيل. والجزائر، من خلال هذا المهرجان، تُعلن انضمامها إلى هذا العالم الراقي، حيث تُقدم أعمالاً كلاسيكيةً إلى جانب مقطوعات معاصرة، في مزيجٍ يجمع بين الأصالة والحداثة.

ولا يقتصر دور المهرجان على تقديم الموسيقى فحسب، بل هو جسرٌ ثقافي يربط الجزائر بالعالم. فمن خلال استضافة أوركسترات عالمية وعازفين مرموقين، يصبح المهرجان منصةً للحوار الثقافي، حيث يلتقي الفنانون الجزائريون مع نظرائهم الدوليين في حوارٍ فنيٍّ يثري المشهد الموسيقي المحلي.

كما أن المهرجان يلعب دوراً تربوياً، حيث يُعرّف الجمهور الجزائري، خاصةً الشباب، على عالم الموسيقى الكلاسيكية، التي قد تكون غريبةً عن أذن المستمع العادي. ففي بلدٍ تشتهر بموسيقى الراي والشعبي والمالوف، يأتي هذا المهرجان ليثري الذائقة الفنية ويفتح آفاقاً جديدةً للإبداع.

المهرجان الذي استطاع أن يضع نفسه في مصاف المهرجانات العالمية اليوم بفضل النجاح الكبير الذي يحققه سنويا إلا أن هناك تحدياتٍ تواجهه لا بد من الوصاية أن توليه الاهتمام الأكبر من خلال ضمان استدامة المهرجان من خلال دعم مادي أكبر يسمح بفتح شراكات دولية أوسع، خاصة وأن إدارة المهرجان تعمل على تعميم الثقافة الموسيقية هذه عبر تنظيم ورشات تعليمية وحفلات في مدن أخرى غير العاصمة وهو ما يحسب إليها رغم قلة الميزانية التي تخصص لهذا المهرجان، أيضا لا بد من إشراك المزيد من الموسيقيين الجزائريين لتعزيز التبادل الفني.

يمكن القول في الأخير أن المهرجان الدولي للموسيقى السمفونية في الجزائر ليس مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل هو إعلانٌ ثقافي بأن الجزائر قادرةٌ على احتضان الفنون العالمية والمساهمة فيها. فهو فرصةٌ لتعزيز الهوية الثقافية الجزائرية المتنوعة، وإثبات أن الموسيقى لغةٌ توحد الشعوب.

* تنويه: المقال مأخوذ من صفحات التواصل الإجتماعي الرسمية للصحفية.

إظهار المزيد

حياة سرتاح

صحافية منذ 2009، مختصة في الشأن السياسي. نالت عدّة جوائز وتكريمات طوال مسارها المهني أبرزها:  جائزة أفضل تحقيق صحفي حول المرأة في الجزائر 2010.  جائزة رئيس الجمهورية للصحفي المحترف 2016.  جائزة نجمة الإعلام "ميديا ستار" 2021. عملت كمراسلة صحفية من الجزائر لجرائد عربية

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى