
يوم الطالب.. ذكرى تضحية وانتماء لوطن
تحل علينا ذكرى يوم الطالب، محطة مفصلية في تاريخ الجزائر الحديث، تستحضر قرارا تاريخيا اتخذه شباب الوطن، طلاب العلم والمعرفة، بالالتحاق بصفوف ثورة التحرير المجيدة. لم يكن هذا القرار مجرد استجابة عاطفية لنداء الوطن، بل كان تتويجا لمسار طويل من الوعي والتنظيم والنضال، خاضته الحركة الطلابية الجزائرية منذ مطلع القرن العشرين.
لقد شهدت الجزائر، في أعقاب الحرب العالمية الأولى، ميلاد حراك طلابي ونقابي لافت، تجلى في تأسيس تنظيمات طلابية نشطت في الجامعات والمعاهد، لتصبح بذلك رافدا أساسيا للحركة الوطنية. لم تقتصر مساهمة هؤلاء الشباب على الانخراط الفردي في صفوف الأحزاب، بل كانوا قوة دافعة ومؤثرة في مسار الكفاح ضد الاستعمار وسياساته القمعية.
إن ظهور هذه التنظيمات الطلابية لم يكن وليد لحظة، بل تعود جذوره إلى عشرينيات القرن الماضي، حيث قاد الرعيل الأول من الطلبة الجزائريين بذرة الوعي والتنظيم. ففي ظل ظروف عنصرية قاسية داخل المؤسسات التعليمية، أدرك هؤلاء الرواد ضرورة التكتل للمطالبة بحقوقهم الاجتماعية والنفسية، وتحسين أوضاعهم المعيشية في الأحياء الجامعية.
تطور هذا الحراك سريعا، ليثمر عن تأسيس جمعيات طلابية حملت على عاتقها مسؤولية الدفاع عن مصالح الطلاب ونضالهم داخل أسوار الجامعة. ورغم قلة الإمكانيات، استطاع هؤلاء الشباب إنشاء فضاءات للتعبير عن آرائهم وتطلعاتهم، مثل “دار الطالب” وإصدار دورية “التلميذ” سنة 1931، مما يعكس وعيا مبكرا بأهمية التنظيم والتواصل في تحقيق الأهداف.
تزامن بزوغ هذه النخبة الطلابية مع محاولات الاستعمار الفرنسي طمس الهوية الوطنية وتجهيل الشعب الجزائري. وفي خضم هذا الصراع بين تيار فرنكفوني يسعى لفرض هيمنته وتيار عربي إسلامي يحمل مشعل الهوية، لعب الطلبة دورا حاسما في الحفاظ على مقومات الأمة.
ومع إدراكنا لأهمية هذه المرحلة في تاريخنا الوطني، يبقى من الضروري الإشارة إلى أن مسار الحركة الطلابية الجزائرية لم يحظ بالاهتمام الكافي من المؤرخين والباحثين. فعملية بناء الذاكرة الوطنية تستوجب إبراز تضحيات هذه الفئة التي انطلقت أولى خطواتها التنظيمية بتأسيس “ودادية الطلاب المسلمين لشمال إفريقيا” سنة 1919.
لقد جاء تأسيس هذه الودادية كرد فعل طبيعي لمحاولات تهميش الطلبة الجزائريين وإقصائهم من الهياكل التمثيلية الفرنسية. وأدرك هؤلاء الشباب ضرورة إنشاء تنظيم مستقل يعبر عن تطلعاتهم الخاصة ويدافع عن مصالحهم. ورغم محاولات السلطات الفرنسية ثنيهم عن هذه الفكرة، استطاعت الودادية أن تفرض نفسها كلسان حال الطلاب الجزائريين، مطالبة بالمساواة في الحقوق والواجبات والتمثيل في الهيئات الجامعية وتحسين الأوضاع الاجتماعية.
لم يقتصر نشاط الحركة الطلابية على الجزائر، بل امتد إلى فرنسا، حيث تأسست “جمعية طلبة شمال أفريقيا للطلبة المسلمين بفرنسا”. وكانت هذه الجمعيات بمثابة النواة الأولى لنمو الوعي الوطني الذي تطور لاحقا إلى المطالبة بالاستقلال. فقد صقلت هذه التنظيمات وعي الطلاب السياسي، ليصبحوا روادا في صفوف الأحزاب الوطنية، ورفعوا صوت القضية الجزائرية عاليا في المحافل الدولية.
ومع اندلاع ثورة التحرير، كان الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين سباقا إلى إعلان الإضراب الوطني، ملبيا نداء الوطن ومؤكدا التحاق الطلاب بالكفاح المسلح. بذلك، توشح الطلاب الجزائريون بثوب النضال المسلح، إلى جانب نضالهم النقابي والسياسي، وأسهموا بفعالية في الحفاظ على مقومات الهوية الوطنية.
إن نظرة متفحصة لتاريخ الحركة الطلابية الجزائرية تكشف عن دورها المحوري في بناء الوعي الوطني وتأجيج روح المقاومة ضد الاستعمار. لقد كانت بحق مدرسة للنضال والتضحية، أنجبت قادة ومناضلين أسهموا بشكل فعال في مسيرة التحرر الوطني.
وفي الختام، تبقى ذكرى يوم الطالب مناسبة للتأكيد على أن جذور النضال الوطني ضاربة في صميم الحركة الطلابية الجزائرية. فتضحيات هؤلاء الشباب، وعيهم المبكر، وتنظيمهم المستمر، كانت ولا تزال مصدر إلهام للأجيال المتعاقبة، ودليلا قاطعا على أن شباب الأمة هم وقودها ورمز عزتها.