أخبار عاجلةرأي اليومعلى الهامش

حين يصبح المظهر أهم من الجوهر !!

 

تداول طلبة جامعيين نبأً صادمًا ومحبطًا في آن واحد، خبرٌ يعكس تدهورًا مؤسفًا في الأولويات داخل صروح العلم. فقد مُنع طلاب من إحدى كليات الجزائر العاصمة من حضور حفل تخرجهم، وهو المناسبة التي طال انتظارها لتسلم شهادات الليسانس، والسبب؟ غياب قبعة وبذلة التخرج.

للوهلة الأولى، قد يبدو الأمر غريبًا وغير مقبول، لكن عند التعمق في هذا القرار، لا يزول العجب، بل يزداد دهشة واستغرابًا. فكيف يمكن لمؤسسة أكاديمية أن تتخذ قرارًا بهذا القدر من القسوة، يكسر به خواطر طلاب اجتهدوا وسهروا الليالي في سبيل تحصيل العلم، لمجرد عدم امتلاكهم لزي تقليدي بات موضة رائجة؟.

لقد تحولت بذلات التخرج وقبعاتها إلى جزء لا يتجزأ من احتفالات التخرج على جميع المستويات التعليمية، من الابتدائي وحتى الجامعي. ومع التوسع في الاحتفالات الجامعية، أصبحت هذه الأزياء ضرورة ملحة، حتى أننا نرى الطلاب وأولياء أمورهم يبذلون جهدًا كبيرًا لتوفيرها، أحيانًا قبل الانتهاء من إعداد مذكرات التخرج أو حتى مناقشتها.

لاشك أن الاحتفال بالتخرج وبتتويج سنوات من الجهد أمر جميل ومحفز. ولكن، يجب أن نتوقف مليًا عند تداعيات هذا “المظهر” على شريحة لا يستهان بها من المجتمع. ففي الوقت الذي تتفاخر فيه بعض الأسر بقدرتها على توفير هذه الأزياء، هناك أسر أخرى تعاني من فقر مدقع، بالكاد تستطيع توفير أبسط مقومات الحياة، فكيف لها أن تتحمل تكلفة بذلة تخرج أو حتى قبعة؟

إن ما حدث لهؤلاء الطلاب هو كسر للخواطر بامتياز، حرمانهم من مشاركة الفرحة مع زملائهم وأساتذتهم وحتى عائلاتهم، لمجرد عائق مادي بسيط كان يمكن تجاوزه بقرار إنساني. فهل أصبح المظهر أهم من الجوهر؟ وهل باتت القبعة والبذلة رمزًا أعلى قيمة من سنوات الدراسة والاجتهاد والعلم نفسه؟.

هذا ليس التكريم الذي يستحقه العلم يا سادة. العلم يُكرم بتسهيل سبل الوصول إليه، بتوفير بيئة تعليمية داعمة ومحفزة، بتقدير جهود الطلاب على اختلاف ظروفهم، وليس بفرض قيود مادية تحرمهم من لحظات الفرح المستحقة.

آن الأوان لإعادة النظر في مثل هذه الممارسات التي تزيد من الفوارق الاجتماعية وتخلق حسرة في نفوس من هم أحوج ما يكونون إلى الدعم والتشجيع. يجب أن يكون الهدف الأسمى للجامعات هو الاحتفاء بالإنجاز الأكاديمي، بغض النظر عن القدرة المادية على شراء قبعة أو بذلة. فالعلم نور، ولا ينبغي لأي قيود مادية أن تحجب هذا النور عن طلابنا.

إظهار المزيد

حياة سرتاح

صحافية منذ 2009، مختصة في الشأن السياسي. نالت عدّة جوائز وتكريمات طوال مسارها المهني أبرزها:  جائزة أفضل تحقيق صحفي حول المرأة في الجزائر 2010.  جائزة رئيس الجمهورية للصحفي المحترف 2016.  جائزة نجمة الإعلام "ميديا ستار" 2021. عملت كمراسلة صحفية من الجزائر لجرائد عربية

مقالات مشابهة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى